قديمًا، قبل أن تُشرق شمس النهضة العُمانية المباركة، كانت عُمان تعتمد في تعليم أبنائها على الكتاتيب وحلقات المساجد، حيث تتلى آيات القرآن الكريم تحت ظلال الأشجار أو في بيوت المعلمين المتواضعة. كان الأطفال يتلقون فيها علوم الدين، اللغة العربية، والحساب، لتكون تلك البواكير التعليمية بمثابة اللبنات الأولى التي خرّجت العلماء والأدباء الذين أثروا الحياة الفكرية في عُمان. وعلى الرغم من أن التعليم كان محصورًا، والمعايير محدودة، إلا أن حفظ القرآن الكريم كان معيار التفوق الأعلى. ومن أبرز المدارس في تلك الحقبة، مدرسة مسجد الخور في مسقط، ومدرسة بوذينة التي أدخلت التعليم المختلط مبكرًا، ومدرسة بيت الوكيل. ومع حلول عام 1930، تأسست المدرسة السلطانية الأولى بمسقط، لتشكّل بذلك أولى خطوات التحول نحو التعليم الحديث تحت الإشراف الحكومي، وتبعها إنشاء مدارس أخرى مثل المدرسة السعيدية في صلالة ومسقط. هذه المدارس، رغم بداياتها البسيطة، ساهمت في إرساء دعائم التعليم الحديث في عُمان، وبحلول عام 1970م، انطلقت النهضة التعليمية الكبرى في عُمان تحت قيادة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – الذي جعل من التعليم ركيزة أساسية للنهضة العُمانية الحديثة، فانطلقت المدارس تتضاعف والمناهج تتنوع، لتفتح بذلك أبواب العلم أمام الأجيال القادمة وتشق الطريق نحو التقدم والازدهار.

في هذه الأجواء المفعمة بحب العلم، وُلد – المغفور له بإذن الله – الشيخ حمد بن سالم الرحبي، الذي نشأ في بيئة جبلية قاسية ألهمته الصبر والإصرار. رأى في التعليم نورًا ينير دروب المستقبل، فكان يحلم ببناء مدارس وكتاتيب لتعليم أبناء وطنه. وعلى الرغم من صعوبات الحياة، ظل متمسكًا بحلمه في توفير بيئة تعليمية تليق بمستقبل بلاده، ولم يتوانَ عن غرس هذا الحلم في نفس ابنه الشيخ مرهون بن حمد الرحبي، الذي واصل مسيرته في طلب العلم بشغف لا يهدأ وعزيمة لا تلين، متنقلًا بين الكتاتيب كعابر بين حدائق المعرفة، يغرس في كل محطة نبتة من الحكمة والفهم. بدأ في كُتَّاب بلدته حيث أتمَّ تعليمه على يد شيخ الكتاب، الذي رأى فيه بذور النبوغ، فقرر أن يرسله إلى نزوى، تلك المدينة العريقة التي كانت مركزًا من مراكز العلم. وهناك، نهل مرهون من معين المعرفة حتى اكتمل تحصيله. لكن رحلته لم تتوقف، فشوقه إلى العلم كان أكبر من أن يحصره مكان، فأرسل بعدها إلى صحار ليواصل مشواره، متنقلًا من كُتَّاب إلى آخر، كما تتنقل النحلة بين الزهور، جامعا من كل كُتَّاب زهرته الخاصة، حتى تجلت ثمرة سعيه الدؤوب في نبوغه وتمكنه من العلم.

 

 

حين أطلق السلطان قابوس – طيب الله ثراه – رؤيته التعليمية، ازداد الحلم بريقًا في قلوب الشيخين، وبمرور الزمن تحققت الرؤية بتأسيس “مدرسة النهضة الحديثة” في الوادي الكبير. كانت البداية مليئة بالتحديات، لكن الإيمان العميق بدور التعليم في بناء الوطن وحب عُمان كان المحرك الأساس لتجاوز الصعوبات، فتحول الحلم إلى حقيقة تضيء دروب العلم للأجيال القادمة، وتغرس في النفوس حب الابتكار والتعلم من أجل رفعة الوطن وتقدمه.

ورغم الإنجازات المحققة، واصل الشيخ مرهون – رحمه الله – مسيرته في تطوير التعليم، فأسس مدرسة تبارك الخاصة عام 1986م، واختار نخبة من المعلمين الأكفاء لقيادتها نحو التميز. ومع ازدياد أعداد الطلاب ونجاح المدرسة، توسع ليبني مقرًا أكبر يستوعب الأعداد المتزايدة، لتصبح مدرسة شاملة تضم المراحل الدراسية كافة من الروضة حتى الدبلوم العام.